Wednesday, October 9, 2019

تكبيد الشركات المُشغلّة لها عشرات الملايين من الدولارات

ويبدو أن هذه الفكرة تروق لشركات تصنيع الطائرات التي تحسب أن بإمكانها القيام بذلك. ففي عام 2017، رحب مدير تنفيذي في "بوينغ" بالفكرة، قائلا "اللبنات الرئيسية لهذه التقنية متوافرة بوضوح". كما أعرب مسؤولون في "إيرباص" - الشركة المنافسة لـ "بوينغ" - عن آراء مماثلة في وقت سابق من العام الجاري، قائلين إن لدى شركتهم بالفعل "التقنيات الخاصة بالطيران الذاتي".
لكن اللجوء إلى هذا النوع من الطيران لا يعني أن الطائرة ستقوم برحلتها دون تدخل بشري على الإطلاق. فرغم أن أجهزة الاستشعار والبرمجيات الإلكترونية قلصت وجود حاجة للدور البشري، فإن هذه الحاجة لم تنتفِ على الإطلاق، بعكس ما يُقال لنا.
ففي واقع الأمر، من العسير أن تجد صناعة واحدة، تتولى فيها البرمجيات أداء العمل كاملا دون دور أو إشراف بشري. ويعود السبب في ذلك، إلى أن تفعيل الأنظمة الأوتوماتيكية في التشغيل، ليس خيارا يكفل عدم ارتكاب أخطاء بشكل كامل، فالتقنيات تخطئ تماما مثل البشر. وقد يكون لأخطائها تَبِعات كارثية، بحسب القطاع التي تحدث فيه.
فلعلنا نتذكر مثلا "الطيار الآلي"، الذي بدأت الاستعانة به عام 1912، ويُطلق عليه باللهجة الدارجة اسم "جورج"، وهو عبارة عن مجموعة من الأنظمة الميكانيكية والهيدروليكية والكهربائية، التي تُستخدم لإرشاد الطائرة وتوجيهها، دون الحاجة لتدخل بشري. وقد أصبح هذا "الطيار الآلي" أحد العناصر الرئيسية لقمرة القيادة في الطائرات الحديثة. وعندما يتم تشغيله، يتسنى لخوارزمياته معالجة البيانات بشكل أكثر سرعة ودقة من الطيار البشري، ما يضفي قدرا أكبر من الأمان والسلاسة على الرحلة الجوية.
لكن أخطاء "الطيار الآلي" شكلت كذلك جزءا من العوامل التي أفضت لوقوع الكثير من الحوادث الجوية، وهو ما يجعل تشغيله مشروطا بأن يتم تحت العين الساهرة للطيار البشري. وتعلم الجهات المسؤولة عن تنظيم العمل في قطاع الطيران المدني، أنه لا يمكن الوثوق تماما في أن بمقدور "جورج" - رغم كل فضائله الافتراضية - اتخاذ القرارات السليمة في كل مرة وطوال الوقت. ومن الصعب أن تجد شركة واحدة لتصنيع الطائرات تتبنى رأيا مغايرا لذلك.
غير أن ذلك لا يغلق الباب أمام مساعي شركات تصنيع الطائرات لتقليص عدد أفراد طاقم قمرة القيادة. وتفيد تقديرات مصرف "يو بي إس" بأن جعل العدد في القمرة طيارا واحدا لا اثنين سيوفر قرابة 20 مليار دولار. وقال أحد محللي المصرف إن هذا الوضع ربما سيكون هو الاتجاه السائد بحلول العام المقبل.
لكن هذا الاقتراح ينطوي كذلك على مشكلات، إذ أنه يُبنى على افتراض، أن بوسع الطيار البشري الوحيد الموجود في القمرة، التدخل في الوقت المناسب في كل مرة يفشل فيه نظيره الآلي. وتتوخى شركات تصنيع الطائرات الحذر حيال مدى واقعية تصور مثل هذا، وهو ما يفسر السبب في أن الطائرات المُصممة لكي يدير قمرة قيادتها طيار واحد فحسب - وتُصنّعها شركات مثل "إيرباص" و"بوينغ" - تتضمن إفساح المجال لوجود إشراف عن بعد على الرحلة.
ويعتمد ذلك على فكرة بسيطة للغاية، قوامها ترك طيار واحد في القمرة مع وجود آخر على أهبة الاستعداد دائما لتوفير أي مساعدة إضافية له. لكن هذا الطيار الثاني لا يوجد بدوره في قمرة القيادة، بل يراقب حركة الطائرة من على الأرض. ومع أن هذه فكرة جيدة؛ فإنها تثير في الوقت نفسه سؤالا مهما مفاده؛ كم عدد الطائرات التي سيتعين على هذا الطيار الثاني مراقبة حركتها ووضع قمرة القيادة فيها؟
فإذا دفعت راتبا لهذا الشخص مقابل مراقبة طائرة واحدة فقط، سيعني ذلك أنك تبدد الـ 15 مليار دولار التي توفرها شركة الطيران بفعل استعانتها بطيار واحد في القمرة لا اثنين. وفي هذه الحالة، سيكون من الأفضل عليها الإبقاء على طياريْن في القمرة. لكن إذا كان من الممكن جعل الرجل يتابع أكثر من طائرة في الوقت نفسه، فستكون فكرة الاستعانة بطيار ثان موجود على الأرض، أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية.
المعضلة أن ذلك سيجعل الأمر في الوقت نفسه محفوفا بالمخاطر بدرجة أكبر. فهل يُتوقع أن يكون بمقدور طيار واحد يعمل من على بعد، أن يساعد طائرة على شفا كارثة، وأن يراقب في الوقت نفسه حركة الكثير من الطائرات الأخرى؟ وما الذي سيحدث إذا كانت هناك أكثر من طائرة تحتاج للمساعدة منه في الوقت نفسه؟ وهل يمكن أن تضمن شركات الطيران والشركات التي تُصنّع الطائرات أن لا يؤدي ذلك الوضع - الذي يمثل اختبارا عسيرا لحدود قدرات البشر على التركيز - إلى تعريض سلامة الركاب للخطر؟
في نهاية المطاف يمكن القول إنه حتى يتسنى لهذه الشركات ضمان كل ذلك، من غير المرجح أن يُكتب لهذه الفكرة فرصة التطبيق على أرض الواقع.

No comments:

Post a Comment